انا محمد عز الدين بن عبد القادر القسام.ولدت في بلدة جَبَلة من أعمال اللاذقية سنة 1883، و نشأت في أسرة متديّنة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية، ثم ارتحلت إلى الجامع الأزهر بالقاهرة سنة 1896عندما بلغت الرابعة عشرة من عمري، وتخرجت منه سنة 1906م، و بعده عدت إلى بلدي جبلة،ثم عملت مدرساً وخطيباً في جامع إبراهيم بن أدهم.
و كان أبي عبد القادر بن مصطفى بن يوسف . وكان جدي مصطفى وشقيقه قد قدما إلى جبلة من العراق، وهما كانا من المُقدَّمين في الطريقة القادرية المنسوبة إلى الإمام عبد القادر الجيلاني، ولهذا كان أنصار الطريقة القادرية في العراق يقدمون إلى جبلة لزيارة أضرحة عبد القادر ووالدي مصطفى في جبلة، فكنت يردع هؤلاء، ويحثهم على الامتناع عن الحج إلى جبلة لهذا الغرض.
كنت تزوجت بامرأتين أولاهما كانت من قلعة المرقب، وهي آمنة جَلّول، فأنجب منها: أحمد ومصطفى وكاملاً وشريفاً. وثانيتهما كانت من جبلة، وهي أم عز الدين، حليمة قصاب .و قال بعض انها من آل نور الله .ولعل القصاب فخذ من آل نور الله، أو نور الله فخذ من آل القصاب.
و لي أشقاء كثيرة في حياتي منها: أمين وفخري وفاطمة. و هكذا كان لي سادس سبعة إخوة وأشقاء، وثاني ثلاثة أشقاء.
كانت أسرتي تعيش على الكفاف والصبر على الفقر، ولكنّ رصيدها من الذكر الحسن كبير، فهي أسرة متديّنة، ولها حظ من العلم الشرعي، يحبها الناس لما لها من المكانة الدينية، فمنها أقطاب الطريقة القادرية، وكان للطرق الصوفية أنصار كثيرون في ذلك الزمان، وكان آلي مشهورين بالعلم والصلاح في ذلك الزمن، نعطون ولا نأخذون، ونكسبون قوتنا من عملنا. ولكنّ المؤرخين اختلفوا في وصف حال ابي عبد القادر القسام، فقالوا: إن عبد القادر القسام كان صاحب الطريقة القادرية، وقالوا: إنه رأس هذه الطريقة، والحقيقة أنه ورث الطريقة عن أبيه، وقد نقل أبوه هذه الطريقة من العراق حيث موطنه الأصلي، وقالوا: إن عبد القادر القسام عُرف بأنه كان حدّاداً، وأنه كان تقياً ورعاً ملمّاً بأصول الدين، وهذا ما جعله إماماً لجامع سوق الحدادين في وسط بلدة جبلة. وقالوا: إنه كان يدير كُتّأباً لتعليم الصبية تلاوة القرآن ومبادئ الكتابة. وقالوا: إنه كان يملك حاكورة يزرعها بمساعدة أولاده. وقالوا: إنه كان يعمل في أرض الأفندي. وقالوا أيضاً: إنه كان يعمل مستنطقاً في جبلة، ويقوم بكتابة أوراق النفوس أيام الدولة العثمانية. و لكن الحقيقة و الجمع أن هذه الأعمال والوظائف مرّ بها القسام ولم يجمع بينها، فاشتغل حداداً في زمن، واشتغل مستنطقاً في زمن آخر، وكان يُعلّم الأولاد القرآن في بعض أوقاته، وكان يصلي بالناس في جامع السوق مختاراً يُقدمه الناس للإمامة إذا حضر.
أما طفولتي فقد أمضيتها في بلدة جبلة، قرأت القرآن الكريم وتعلمت القراءة والكتابة والحساب في الكتاتيب، ودرست مبادئ العلوم الشرعية على والده، وتتلمذت في جبلة في زاوية الإمام الغزالي لشيخين عُرفا بسعة العلم والمعرفة في اللغة والتفسير والحديث والفقه، وهما الشيخ سليم طيارة البيروتي الأصل، والشيخ أحمد الأروادي، ولما علم منيأبي رغبة في العلم أرسلني إلى الأزهر. وبعد عودتي إلى جبلة اقترنت بالسيدة أمينة نعنوع من جبلة، فأنجب منها ولداً ذكراً سماه محمد، وثلاث بنات هنّ: عائشة وميمنة وخديجة. وقد وُلد ابني محمد في فلسطين، حيث كان عمره حين وفاة والده سبع سنوات، وبلغت ميمنة درجة عالية من الثقافة في حياة والدها.
غادرت ورفاقني جبال صهيون، واتجهنا نحو جسر الشغور، ثم انتقلنا إلى بيروت، ثم كانت رحلتي فردية إلى دمشق، ثم عادت إلى بيروت، وانتقلت الجماعة إلى صيدا على الشاطئ اللبناني بواسطة عربة يقودها حصان، ومن صيدا أقلّهم قارب إلى عكا، فأقمت فيها أياماً أو شهوراً،كما كانت استراحة المسافر، و تشاورت هناك أي الأماكن أنسب للإقامة الدائمة، فوازنت بين عكا وحيفا، ودرست التركيبة السكانية لكلتا البلدتين، فملت إلى المجتمع الحيفاوي، لأن حيفا كانت سوقاً رائجة للعمل والعمال والتجارة، يفد إليها طلاب العمل والتجارة من الأقاليم العربية كافة، وبخاصة الإقليم السوري، لأن فلسطين كانت جزءاً من سوريا. وكان وصولي إلى فلسطين سنة 1920. وظائفي في حيفا كانت التعليم بعد أشهر من قدومي إلى حيفا عمل مدرساً في مدرسة الإناث الإسلامية أولاً، وفي مدرسة البرج الإسلامية ثانياً، وذلك في أوائل عام 1921م أو سنة 1922م، وهاتان المدرستان تشرف عليهما الجمعية الإسلامية في حيفا، وكان متوسط أجره يتراوح ما بين أربعة وخمسة جنيهات. وكنت يُتبع هذه الوظيفة بإعطاء العمال دروساً في القراءة والكتابة، و أسست مدرسة لتعليم الكبار القراءة والكتابة، وكنت يبث من خلال دروسه الروحَ الجهادية في الطلاب. واستمرت بالتدريس في مدرسة البرج الإسلامية حتى عام 1925م.
تولىت الخطابة في جامع الاستقلال في السنة التي تم فيها بناؤه وهي سنة 1925م، وكانت شهرة الشيخ العلمية قد سبقت بناء المسجد، فلما تم بناؤه وجدوني خير من يقوم بالخطابة في هذا المسجد. وكانت رسالة الجهاد التي هاجرت من أجلها تشغل تفكيري، وبحثت عن الوسائل التي تحقق هذا الهدف، فكنت جامع الاستقلال منبره لإيصال هذه الرسالة إلى الجمهور، فامتلكت أداة فعالة استخدمها استخداماً ناجحاً لتحقيق خطتي لإيجاد حركة جهادية، واستطاعت بما أوتي من المواهب أن يجعل جامع الاستقلال جامع المدينة الأول، اؤمّ المصلون من قرى قضاء حيفا، لأن أخبار خطبتي الأسبوعية كانت تتناقلها الركبان، وتجري بعضُ جملي مجرى الأمثال.
أعلنت في مسجد الاستقلال أن الإنجليز هم رأس البلاء والداء، ويجب توجيه الإمكانات كلها لحربهم وطردهم من فلسطين، قبل أن يتمكنوا من تحقيق وعدهم لليهود (وعد بلفور)، حيث جعلوه من أهداف الانتداب البريطاني في فلسطين، بل هو هدفهم الأول. وحذرت المصلين في إحدى خطب الجمعة سنة 1927م من التساهل مع الهجرة اليهودية التي تحتل البلاد. وفي مسجد الاستقلال أخذ ينبّه عزة الإيمان في نفوس المسلمين، وأن الولاية والطاعة لا تكونان إلا لحاكم مسلم، فكنت اردد دائماً الآية الكريمة: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» بأن أولي الأمر هم المسلمون الذين يُقرّون بالتوحيد، أما الإنجليز فلا طاعة لهم على المسلمين، وكان الإنجليز يبثون على لسان القاديانية، ومركزها حيفا، أن الدولة البريطانية وليّةُ أمر المسلمين ولها عليهم حق الطاعة.
ودعت المسلمين إلى التمرد، وحرّضتهم على ألا يسمعوا للعساكر البريطانية، ففي أواخر سنة 1934م سألت المصلين من على المنبر: «هل أنتم مسلمون؟» وأجاب: «لا أعتقد»، وسكت قليلاً، ثم تابعت كلامي قائلاً: «لأنه لو كنتم مؤمنين لكانت لكم عزة المؤمن، فإذا خرجتم من هذا المسجد وناداكم جندي بريطاني فلا تطيعوا نداءه». واتجهت إلى توعية الشعب بالشرور المحدقة بهم، وكنت اكثر من قولي بأن اليهود ينتظرون الفرصة لإفناء شعب فلسطين والسيطرة على البلاد وتأسيس دولتهم. ومن باب التحريض على الجهاد دعوت إلى توجيه اقتصاد البلد إلى شراء الأسلحة، وأنكرت في هذا السبيل سياسة المجلس الإسلامي الأعلى في تزيين المساجد وبناء الفنادق، وقال: «يجب أن تتحول الجواهر والزينة في المساجد إلى أسلحة، فإذا خسرتم أرضكم فإن الزينة لن تنفعكم وهي على الجدران». ودعوت مرة إلى تأجيل فريضة الحج وتحويل نفقاته إلى شراء الأسلحة.
لما علمت أن اليهود يأتمرون للهجوم على جامع الاستقلال، فطلبت وجوهُ المسلمين في حيفا من السلطات البريطانية أن ترسل قوة لحراسة المسجد من الهجوم المدبَّر، وقلت : «إن جوامعنا يحميها المؤمنون منا، إن دمنا هو الذي يحمي مساجدنا لا دم الآخرين»، ووصفت الطلب بالجُبن، وعدّته دليلاً على الخضوع والذل، فكنت يرفض أي حوار أو معاهدة مع الإنجليز وقلت: «من جرّب المجرَّب فهو خائن»، ولما دعتني السلطات للتحقيق في كلامي لم انكر. فعندما أُوقفني أعلنت المدينة الإضراب، فاضطرت السلطات البريطانية إلى إخراجي من السجن، وتجنبت حكومة الانتداب اعتقالي فيما بعد. ، كنت اخبئ سلاحا تحت ثيابي ففرفعته وقال: «من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا»، فأُخذت مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجي وأضربوا إضراباً عاماً. وهكذا استطاعت في العشر سنوات التي أمضيتها في جامع الاستقلال أن اجعل الناس مستعدين لتلبية نداء الجهاد، وصارت الكلمات الجهادية من خطبي على لسان الجمهور، ومن ذلك قولي: «المجاهد رائد قومه، والرائد لا يكذب أهله»، وقولي: «الجهاد رفيقه الحرمان»، واقصد بالحرمان: الصبر على المشقة. وكان شعاري وتلاميذي: «هذا جهاد، نصر أو استشهاد»، لا تزال اللحظات الأخيرة من حياتي محفورة في ذاكرة الفلسطينيين من سكان قرية النزلة بالضفة الغربية وبينهم معمّرات تحدثن للجزيرة عن الساعات الأخيرة من حياتي، كما لا تزال البلدة مستهدفة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
أما مكان اغتيالي الذي سمّت باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جناحها العسكري، وهو بلدة الشيخ زيد قرب بلدة يعبد (22 كلم جنوب غرب مدينة جنين) بشمال الضفة الغربية.و بتت الليلة الأخيرة من حياتي في منزل عارف سليمان، وهو بيت قديم لا يزال مأهولا، حيث كنت في ضيافة صاحب المنزل عدة أيام، وتناول عنده وجبة العشاء الأخيرة وهي "المسخن".و كنت ينام ويأكل ويشرب في بيتها، وفي الليلة الأخيرة من حياتي لم يتمكن من شرب الشاي نظرا لوصول أخبار عن معرفة الجيش البريطاني مكان وجودي .و أنني غادر المنزل واستقرت مع أصحابي في أحراش القرية الكثيفة وتحصنت بحائط على شكل كهف. فإن الوشاية جاءت من شخص من خارج القرية أخبر الجيش البريطاني بوجودي، فحضر جنود على ظهور الخيل وعشرات من المشاة المدججين بالسلاح تدعمهم الطائرات وحاصروا القرية ثم اشتبكوا معي ورفاقني في أحراش قريبة فقاتلتهم حتى قتلت.و أن الجيش البريطاني قتل معي ثلاثة من سكان القرية، و أحد الجرحى وهو مصاب ولم يسمح له الجنود بشرب الماء، وتم علاج جريح آخر في أحد البيوت وإطعامه، لكنه طلب المغادرة حتى لا يؤذيهم الجيش البريطاني.و ان المنطقة التي استشهدت فيها كانت مزروعة بشجر البلوط والزرد، ولدى محاصرة القرية تحصن الشهيد وسبعة آخرون من الثوار بين صخرتين، وتعرضوا للقصف المدفعي من الجهة الجنوبية عدة ساعات.و أن الجيش البريطاني قصف موقعنا بالطائرات ثم باغتنا بإطلاق النار من الجهة الشمالية المقابلة فقتلنا جميعا، موضحة أن المعركة استمرت من الصباح حتى مغيب الشمس حيث غادر الجيش البريطاني الموقع.و أن السكان نقلوا جثث سبعة مقاتلين من سكان قرية النزلة وقرية يعبد على سلّم خشبي ووضعوها تحت بلوطة قرب مقام الشيخ زيد، فتجمع الأهالي وسكان القرى المجاورة لرؤيتها.
في عام 1917 احتلت القوات البريطانية القادمة من مصر القسم الجنوبي من فلسطين من الدولة العثمانية، وفرضت عليها حكماً عسكرياً. في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1917 دخل قائد القوات البريطانية الجنرال إدموند اللنبي مدينة القدس من باب يافا. أثار ذلك مشاعر الابتهاج في أوروبا وأمريكا إذ وقعت القدس لأول مرةٍ تحت سيطرة الأروبيين منذ أكتوبر/تشرين الأول 1187 بعد تحريرها من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي. كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية قد اتفقت على تقسيم بلاد الشام بينها في اتفاقية سايكس-بيكو السرية في 16 مايو/أيار 1916 بين الأطراف الثلاثة. جرى الاتفاق على أن تكون منطقة فلسطين (من بئر السبع جنوباً إلى عكا شمالاً تقريباً) منطقةً دوليةً مراعاةً لروسيا، ولكن بعد انتهاء الحرب عَدَلَتْ بريطانيا عن هذا البند من الاتفاقية فقد أرادت إنشاء معبرٍ أرضيٍّ متصلٍ بين الخليج العربي وميناء حيفا، فضلاً عن هدفها تأسيسَ دولةٍ صهيونيةٍ في فلسطين.
في أبريل/نيسان 1920 اجتمع مندوبو «دول الاتفاق» (أي فرنسا وبريطانيا بعد خروج روسيا منه) المنتصرة في الحرب العالمية الأولى في مدينة سان ريمو الإيطالية فيما سُمّيَ مؤتمر سان ريمو لتعديل اتفاقية سايكس-بيكو وتقرير الشكل النهائي لتقسيم الأراضي التي احْتُلت من الدولة العثمانية. في هذا المؤتمر اتفق الطرفان على منح فلسطين لبريطانيا وتعديل المتفق عليه سابقاً.
كان التعامل التجاري يتم بالجنيه المصري في بداية الانتداب، لكن سُرعان ما تم تشكيلُ مجلسٍ يقوم بدور مصرفٍ مركزي لإصدار العملة المحلية سُمّي بمجلس فلسطين للنقد، والذي بدوره قام بإصدار أول عملةٍ فلسطينيةٍ عام 1927 وهي الجنيه الفلسطيني.
أصرّت الحكومة البريطانية (وكان ونستون تشرشل فيها وزيراً للمستعمرات) على عصبة الأمم على إدراج تصريح بلفور في صك الانتداب على فلسطين لتصبحَ السياسةُ البريطانيةُ في فلسطين الداعمةُ للهجرةِ اليهوديةِ تحت غطاءٍ دولي، وعيّنت أول مندوبٍ سامٍ لها هربرت صموئيل الوزير البريطاني السابق واليهودي الذي دخل ابنه القدس متطوعاً مع الفيلق اليهودي في حملة الجنرال اللنبي. لاحظ رونالد ستورس أولُ حاكمٍ للقدسِ (ما بين 17-1926) هذا التحيز الواضح وكتب في مذكراته:
«لقد خرقت الإدارة العسكرية مبدأ «الوضع الراهن» في المسألة الصهيونية. كانت فلسطين ولاية تابعة للدولة العثمانية المسلمة وكانت غالبية سكانها من العرب، وفي ظل سياسة «الوضع الراهن» كان علينا -بل كنا نتلقى تعليماتٍ- أن نقول للراغبين في إدخال تغييراتٍ سريعةٍ إننا مجرد «إدارةٍ عسكريةٍ» ولسنا منظمين مدنيين، وكان علينا أن ندير البلاد كما نفعل في مصر أو غيرها من البلاد ذات الأقليات المهمة مستخدمين الإنجليزية كلغةٍ رسميةٍ وتقديم ترجمةٍ عربيةٍ مع معاملة المقيمين اليهود والأوربيين والأرمن وغيرهم على النحو الذي نعاملهم به في مصر.
كان موقف «إدارة أراضي العدو المحتلة» مختلفاً تماماً عن هذا المفهوم، فقد طبع الإعلان الأول للجنرال اللنبي بالإنجليزية والعبرية والعربية، وكذلك الأوامر الصادرة مني، واستخدمتْ العبرية في لافتات الإدارة الحكومية، ومالبثت أن أضيفت على عجلٍ على إيصالات البلدية والإيصالات الرسمية الأخرى، وقمنا بتعيين موظفين ومترجمين يهود في مكاتبنا. وقد واجهت «إدارة أراضي العدو المحتلة» نقداً شديداً على هذا الخرق الواضح للوضع الراهن داخل وخارج فلسطين... رغم أن عصبة الأمم لم تكن قد أنشئت، ولم يكن نظام الانتداب قد أقيم حتى يكون هدف الحكومة متطابقاً مع هدف الصهيونية
في 11 سبتمبر 1922 أقرّت عصبة الأمم الانتداب رسميا، وذلك بإصدار صك يعهد بإدارة فلسطين لبريطانيا؛ وذلك بناء على اتفاق دول الحلفاء على تنفيذ تصريح ملكي بريطاني صدر عام 1917 والمعروف باسم وعد بلفور، وورد في أكثر من موضع في إعلان عصبة الأمم تأكيد على عدم الإتيان بعمل من شانه أن الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للسكان الأصليين لفلسطين وصيانة حقوقهم عطفا على تشجيع التعاون مع الجمعية الصهيونية لتسهيل هجرة اليهود لفلسطين واكساب الجنسية الفلسطينية لأولئك المهاجرين، ضمانا لإنشاء وطن قومي يهودي لهم، بحسب نص القرار. عرّف القرار منطقة الانتداب على فلسطين شاملاً معها شرق الأردن، إلا أن المادة 25 منه سمحت بإرجاء أو توقف تطبيق النصوص عليها، وفعلا تم استثنائها من الانتداب في عام 1921 طبقا لمذكرة شرق الأردن، فتمتعت إمارة شرق الأردن بحكم ذاتي ولم تخضع لمبادئ الانتداب أو لوعد بلفور.كانت مدينة القدس عاصمة الانتداب حيث سكن الحاكم البريطاني ومؤسسات حكومة الانتداب. عند بداية فترة الانتداب أعلنت بريطانيا هدفا له تحقيق وعد بلفور، أي فتح الباب أمام اليهود الراغبين في الهجرة إلى فلسطين وإقامة «بيت وطني» يهودي فيها. أما في منتصف ثلاثينات القرن العشرين فغيرت بريطانيا سياستها وحاولت وقف توافد اليهود على فلسطين ومنع شراء الأراضي من قبل اليهود.
و في سنة1917 البريطانيون احتل فلسطين في الحرب العالمية الأولى بعد نجاحهم في طرد العثمانيين.وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور يصدر وعده الشهير الذي نص على أن "حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وتبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
و كان وعد بلفور أو إعلان بلفور بيان علني أصدرته الحكومة البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى لإعلان دعم تأسيس وطن قوميّ للشعب اليهودي في فلسطين، التي كانت منطقة عثمانية ذات أقلية يهوديّة حوالي 3-5% من إجماليّ السكان.
نظرت حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وبذلت غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر.
ضمن هذا الوعد ضمن رسالة بتاريخ 2 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1917 موجهة من وزير خارجيّة المملكة المتحدة آرثر بلفور إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني، وذلك لنقلها إلى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العُظمى وإيرلندا. نشر نص الوعد في الصحافة في 9 نوفمبر/تشرين الثانيّ عام 1917.
وبعد إعلان المملكة المتحدة الحرب على الدولة العثمانية في نوفمبر 1914، بدأ مجلس وزراء الحرب البريطانيّ حالا في النظر في مستقبل فلسطين. وبحلول آواخر 1917، قبيل إعلان بلفور، ووصولها في الحرب العالميّة الأولى إلى طريق مسدود، إذ لم تشارك حليفتا بريطانيا بالحرب بشكل كامل؛ فالولايات المتحدة لم تعاني من ضرر كبير بسبب الحرب، وكان الروس في خضم ثورة 1917. كسرت حالة الجمود جنوب فلسطين بقيام معركة بئر السبع في 31 أكتوبر/تشرين الأول عام 1917
و مكن إرجاع أول مفاوضات على مستوىً عالٍ بين البريطانيين والصهيونيِين إلى مؤتمر أُجري في 7 فبراير من عام 1917، تضمن السير مارك سايكس والقيادة الصهيونية. قادت النقاشات التي تلت هذا المؤتمر إلى طلب بلفور في 19 يونيو من روتشيلد وحاييم وايزمان لتقديم مشروع إعلان عام. نوقشت مشاريع واقتراحات أُخرى أبعد من قبل مجلس وزراء بريطانيا خلال سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول مع مُدخلات صهيونيّة ومُعادية للصهيونيّة، ورئيس بلدية يافا الدكتور يوسف هيكل من دون أي تمثيل للسكان المحليين لفلسطين. أُذن بالإفراج عن الإعلان النهائيّ بحلول 31 أكتوبر/تشرين الأول، وكان لمناقشات مجلس الوزراء هذه فوائد بإطلاق بروباغاندا بين أوساط اليهود حول العالم لنيّة الحلفاء في الحرب.
ومثلت الكلمات الأولى في نص الوعد، أول تعبير عام عن دعم قوة سياسية كبيرة للصهيونية، وقد أُورد المصطلح غامضا عمدا دون الإشارة إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين. كما لم يتم تحديد حدود فلسطين المعنيّة، وقد أكدت الحكومة البريطانيّة أن عبارة
في فلسطين تشير إلى أن الوطني القومي اليهودي المشار إليه لم يقصد أن يغطي كلّ فلسطين. أُضيف الجزء الثاني من الوعد لإرضاء المعارضين لهذه السياسة، ممن ادعوا أن هذا الإعلان سيضر بوضع السكان المحليين لفلسطين وسيشجع معاداة السامية الموجهة ضد اليهود في جميع أنحاء العالم. دعا الإعلان إلى حماية الحقوق المدنيّة والدينيّة للعرب الفلسطينيِّين، والذين كانوا يشكلون الأغلبية العظمى من السكان المحليين لفلسطين آنذاك. اعترفت الحكومة البريطانيّة عام 1939 أنها كان من المفترض أخذ آراء السكان المحليين بعين الاعتبار،
كان لهذا الوعد آثار طويلة الأمد كثيرة. فقد زاد هذا الوعد من الدعم الشعبي للصهيونيّة في أوساط المجتمعات اليهودية في أنحاء العالم، وقاد إلى قيام فلسطين الانتدابية، وهو المصطلح الذي يشير حالياً إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية. ونتيجة لذلك، فقد تسبب هذا الوعد بقيام الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يشار إليه غالبا بأكثر صراعات العالم تعقيدا. ولا يزال الجدال فيما يخص الوعد قائما في كثير من النواحي،
و في 1918 انبثاق اولى المنظمات الوطنية الفلسطينية، ومنها المنتدى العربي والنادي العربي.
و في سنة 1920 مؤتمر سان ريمو للقوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى يقرر منح بريطانيا حق الانتداب على فلسطين "لإعدادها لتقرير مصيرها". إندلاع مظاهرات في القدس احتجاحا على وعد بلفور وللتأكيد على الهوية الفلسطينية العربية لفلسطين
و في سنة 1921 البريطاني تعين محمد أمين الحسيني مفتيا للقدس وزعيما لعرب فلسطين. الشيخ أمين يحرض الفلسطينيين لمقاومة أي تنازلات اضافية تمنح لليهود.
وفد فلسطيني يرفض المقترح البريطاني القاضي بتشكيل مجلس تشريعي قائلا إنه من المرفوض ضم ما نص عليه وعد بلفور في مسودة الدستور المقترح للبلاد.
و في سنة 1929 أعمال شغب في القدس والخليل تسفر عن مقتل 200 يهوديا تقريبا. القوات البريطانية تقتل 116 فلسطينيا اثناء محاولتها اخماد أعمال الشغب في القدس.
و في سنة 1930 لجنة ملكية بريطانية ووثيقة حكومية توصيان بتحديد هجرة اليهود الى فلسطين.
و من 1930 الى 1935 - منظمة الكف الأسود التي أقودها أنا تشن حملة مسلحة ضد الوجود اليهودي والانتداب البريطاني.
و في سنة 1935 القيادة الفلسطينية تقبل بالمقترح الذي طرحه المندوب السامي البريطاني لتشكيل مجلس تشريعي، ولكن مجلس العموم البريطاني في لندن يرفض المقترح في السنة التالية.
و في عام 1935 ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، واتساع مساحة الأراضي التي استولوا عليه، فقد وصل إلى فلسطين عام 1935م 62 ألف يهودي، وتملّك اليهود في العام نفسه 73 ألف دونم، حتى كتب المندوب السامي البريطاني قبل نهاية عام 1935م إلى وزارة المستعمرات: " إن خمس القرويين أصبحوا بالفعل دون أرض يمتلكونها، كما أن عدد العمال العاطلين عن العمل آخذ في الازدياد"هنا حزم أمري على الخروج واتصلت بأتباعي، وأخبرتهم عزمي على إعلان الجهاد، وخرجت إلى جبال جنين في ليلة 26 من شهر تشرين أول (أكتوبر) 1935م، ثم وقعت المعركة الفاصلة بيني والقوات الإنجليزية قرب قرية الشيخ زيد في أحراش يعبد، وكانت معركة غير متكافئة في أعداد الطرفين.